انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات مثل: "التحديث" و"التنوير" و"العقلانية" و"العلمانية"... إلخ. وأحرز المصطلح الأخير على وجه الخصوص شيوعاً غير عادي في منطقتنا العربية والإسلامية، بل على مستوى العالم، بحيث أصبح واحداً من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي (الاجتماعي والسياسي والفلسفي) الحديث في الشرق والغرب وفي هذا الكتاب دراسة تناول هذا المصطلح "العلمانية". يحاول الدكتور المسيري من خلالها تناول قضية العلمانية (في جانبيها النظري والتطبيقي) من منظور مختلف بعض الشيء كما هو سائد وشائع. لأنه يفرق بين ما يسمى "العلمانية الجزئية" (فصل الدين عن الدولة) و"العلمانية الشاملة" (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص).
تتكون الدراسة من مجلدين منفصلين رغم تداخلهما: المجلد الأول، الكتاب الذي نقلب صفحاته، يتناول النظرية والتعريف، المجلد الثاني التطبيق، ينقسم كل مجلد بدوره إلى بابين وكل باب إلى عدة فصول. كرس الباب الأول من المجلد الأول لإشكالية تعريف العلمانية، فيتناول الفصل الأول قضية إخفاق علماء الاجتماع في الشرق والغرب في وضع تعريف محدد لها. أما الفصل الثاني فيتناول التعريفات الموجودة بالفعل في المعجمين العربي والغربي لكل من مصطلح ومفهوم "العلمانية". ويهدف هذا الفصل إلى تأكيد أن مصطلح "العلمانية" مختلط الدلالة ويرصد الفصل الثالث بعض المراجعات التي حدثت بشأن المصطلح في الشرق والغرب، وهو ما يعطي الحق للباحث لإعادة تعريفه بطريقة هي أكثر تفسيرية من التعريفات المتناقصة، المتداولة. أما الفصلان الرابع والخامس، فيحاولان تفكيك بعض المصطلحات والمفاهيم المستخدمة والشاملة في صف الحداثة الغربية، وهي مصطلحات ومفاهيم تصف العلمانية الشاملة. وبعد تفكيك هذه المصطلحات يحاول الباحث إعادة تركيبها وتجريد نموذج تحليلي منها. وحتى لا تصبح العلمانية ظاهرة خارج الزمان والمكان، يتناول الفصل السادس أسباب ظهور العلمانية في العالم الغربي، ليضع الباحث يده على بعض الأسباب الموجودة داخل المجتمعات الإنسانية عامة التي يمكن أن تؤدي إلى ظهورها. ويحاول الفصل السابع أن يطرح تعريفاً هو جديد للعلمانية، ويستكشف الحلقات المختلفة المتتالية العلمانية، حتى يتسنى للقارئ أن يعرفها ويرصدها بنفسه في أي موقف أو مجال جديد، وبخاصة تلك المواقف أو المجالات التي لم يفطها هذا الكتاب. ولتحسين المقدرة التفسيرية للنموذج الذي يطرحه الباحث، ولتوضيح كثير من جوانبه، يتناول الباب الثاني لهذا المجلد، بعض تجليات النموذج العلماني. فيتناول الفصل الأول ما يسمى "المطلق العلماني واللحظة العلمانية الشاملة النماذجية". ويتناول الفصل الثاني ظاهرة التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع أو الانتقال من الثنائية الصلبة (حيث للعالم مركز) إلى الواحدية السائلة (لا مركز للعالم). أما الفصل الثالث فيتناول حركة فكرية هي معركة الاستنارة باعتبارها تبدياً مبكراً للنموذج العلماني. ويتناول الفصل الرابع ولأخير حركة "الفمينزم" أو التمركز حول الأنثى باعتبارها تبدياً آخر لنموذج العلمانية الشاملة.