"حملتني الأقدار إلى بلاد كثيرة اختلفت فيها الألوان والألسُن، وحملني حبّ السياحة على التوغل في تلك البلاد أبعد فأبعد، عرفتُ من متع الدنيا ألواناً عديدة، وذقت مباهج الحياة حتى حسبتُ أنه لا فناء بعد ما كنت فيه من نعيم.
جرّبت الحب والعشق، وذقت من حلاوته ما ليس يوصف، واكتويت بنار الفرقة والهجران، عاشرت الأمراء والكبراء ونلتُ منهم ما كنت فيه موضع حسد ومؤامرة المرّة إثر المرّة، فالشكر لله على ما نوَّلني من أيام السعد والهناء والرخاء.
في أيام نحسات أمسَكَ فيها سوء الطالع بناصيتي، فلم يتركني، وتوالت فيها المحن فلست أعرف لها بداية ولا نهاية، أيام تعس وجدتني فيها منساقاً في عوالم الشدّة والضيق ألجها عالماً بعد الآخر.
لا تتركني محنة إلاّ لتوقعني في أخرى غيرها، هي في العدّ أيام ثمانية وليالٍ سبع، غير أنها كانت في سجلّ الروح سرمداً لا ينقضي، طاردتني الوحوش الضارية وحاصرَني اللصوص مرّة تلو الأخرى، جرّدوني من ثيابي ونزعوا من يدي كلّ ما كنت أملك من جواهر وكان عندي ممّا خف وزنه وغلا ثمنه.
حصاني البُنّي كنت أكنُّ له من الحب ما لا يكنّه الرجل لِفلْذَةِ كبده، وسيفي المهنّد المرصّع بالياقوت طار من يدي... رأيت الموت رأي العين، ولستُ أدري كيف قدرت على الإفلات من قبضة قُطّاع الطرق بثوبٍ خَلِقٍ وحِذَاءٍ ممزّق...".