في مجموعته القصصية هذه يعري "عبده خال" الكاتب والصحافي السعودي المعروف الواقع المعيشي اليومي لشخصيات قصصه القصيرة، فيدخل في اعماق ذواتهم المنشظية عبر مرآة اللغة والتوصيف الدقيق لشخصيات تتفاوت في طريقة رؤيتهم للحياة وللآخرين ولأهدافهم عموماً.
في "الأوغاد يضحكون" يرسم الروائي بدقة نماذج من البشر، وشرائح اجتماعية مختلفة وعياً وإدراكاً عن اقرانها الآخرين بسبب البيئة أو المحيط الاجتماعي الذي تنتمي إليه فمنهم من يؤمن بالسحر ومنهم من يؤمن بالقدر، ومنهم من يشرد بأحلامه بعيداً دون أن يحقق شيئاً. ففي الأوغاد يضحكون على سبيل المثال يصف لنا الراوي حال ذلك المسجون الذي رسم سفينة على جدار السجن ودعى أصدقاؤه لأن يهربوا من خلالها إلى خارج الزنزانة، تؤشر هذه القصة إلى ما تعاني منه النفس البشرية حين تفقد الحرية وتعيش عاطفة مثبطة وفوضى واضطراب واختلال في علاقتها مع الآخرين. وهكذا نجد أن بقية القصص جاءت شكلاً ومضموناً تعبيراً عن بعد إنساني عميق حاول الكاتب أن يكشف من خلالها ما تتركه هذه العلاقات من تجريحات وربما من اعوجاجات في بنية الروح الإنسانية لشخصيات قصصه المقهورة والتي رسم لها عالماً خاصاً بها وحدها تعيشه بمعزل عما يجري وراء القضبان، حتى بدت الكتابة لدى "عبده خال" أسلوباً وموضوعاً ترتحل وتتأمل ذاتها فتولد في كل مرة ولادة جديدة ينتج عنها حكاية جديدة.
هذا، ويضم هذا الكتاب تسعة عشرة قصة قصيرة جاءت كمساهمة نقدية وموضوعية لشرائح من المجتمع، ولشخصيات هامشية تفرد أديبنا بتقديمها إلى قرائه فكان خير من كتب وخير من أبدع.
«حيٌّ ينعم بكل شيء إلا الفرحة. لم أرَ أحداً يبتسم أو يتبادل التحية، الكل يدسّ عيونه في الأرض ولا يرفعها إلا لمماً. ترتفع الأيدي في تلويحة مبتورة وتعود إلى مكانها بسرعة متناهية، ارتفاعها يشي أنها تحية وفي حقيقة الأمر هي ساتر لحجب العين من الابتعاد عن الطريق المرسوم لها. أقطن هذا البيت منذ عشرين عاماً، تزيد قليلاً، لم يبادلني فيها أحد الزيارة ولم أجالس أحداً لمعرفة أخباره، وخلال هذه السنوات نبتت في داخلي العزلة ولم أعد حريصاً على معرفة ما يدور في الجوار وأيقنت أن واحدنا يعيش كخلية واحدة غير قابلة للانقسام أو كقبور متجاورة كل شخص في قبره.»