كيف يمكن تصور إنتاج أدبي ما دون أن يكون هذا الإنتاج متصلاً اتصالاً وثيقاً بالمسألة الثقافية، ودون أن يكون على ارتباط بالمجتمع في مختلف صوره وأشكاله، أي دون أن يكون "مؤسساً" على تصور ما للإنتاج الفني والأدبي أو على صلة بالمجتمع في واقعه وصيروته؟ وكيف يمكن تخيل هذا "التصور" الفني أو الأدبي بدون أن يكون له "تاريخه" الذي هو جزء من تاريخ المجتمع الذي ينتمي إليه؟
إن مدار هذين السؤالين مشكلة عريقة في تاريخ أدبنا العربي بوجه عام، والمغربي منه بصورة خاصة، وهي لم تولى ما تستحق من العناية والاهتمام، ولم يجر التفكير فيها بما يقتضيه وضع الأدب المغربي قديمه وحديثه، وما لم يتح تطارح مثل هذه الأسئلة بصدد الإنتاج الأدبي الذي يعرفه واقع هذا البلد الذي يسمى المغرب، لا يمكن للإنتاج فيه أن يتطور، أو يمثل موقعه ضمن خارطة الأدب العربي الذي ينتمي إليه، أو الأدب الإنساني الذي هو جزء هو منه، بالقوة أو بالفعل.
انطلاقاً من هذه الاعتبارات جاء البحث في هذا الكتاب حول الأدب والمؤسسة والسلطة يناقش المؤلف من خلاله بعض جوانب المسألة الثقافية في المغرب، والوطن العربي بوجه عام، ومتوقفاً بشكل خاص عندما يتصل بالأدب باعتباره إنتاجاً يضطلع به المبدعون في مختلف أشكال القوى والتعبير، وبصفته موضوعاً للبحث والتفكير من لدن النقاد والدارسين والجامعيين، وبكونه أخيراً منتوجاً يتفاعل معه القراء من مختلف الأعمار والمستويات، واصلاً هذا النقاش بالمؤسسات (الصحافة المكتوبة والمرئية والمسمومة/الجامعة/الجمعيات..) في مختلف تجلياتها وعلاقاتها به، مبيناً الدور الذي اضطلعت به هذه المؤسسات، وعلى مدى أزمان وعقود، قد آل إلى استنفاذ مهماته ومختلف أدواره.