يدعو مدني صالح في كتابه هذا إلى: كيف نقرأ الفلسفة وكيف نفهمها وكيف نُعلمها لطلاب الفلسفة، وكيف نبدأ معهم الدرس الفلسفي، ففي هذا الكتاب يتضح لنا جلياً مدى قدرة المؤلف على فهم وإستيعاب الفلسفة التي سعى إلى تبسيطها وجمعها وتلخيصها، هذه الدعوة التي لم يكُف عنها مدني صالح حتى مماته، وفيها كان مراهناً على إمكانية تداول الفلسفة بلغة واضحة دقيقة بسيطة ممتعة لا لبس فيها ولا غموض، مثلما ظل معتقداً بأن سوء الفهم لا يقف وراءه إلا من حسب نفسه على الفلسفة وكتب فيها مدعياً فهمه لها، فالذين لا نعرف من أين جاءوا وتسربوا إلى الفلسفة ورمت بهم الأقدار إليها هم الذين أساءوا قراءتها وأساءوا فهمها وأساءوا تدريسها والكتابة عنها والحوار فيها، فظل مدني صالح متمنياً للفلسفة ولمن يتخصص فيها البساطة والوضوح والدقة.
فستجد في هذا الكتاب وبشكل واضح دعواه المستمرة إلى أن على الفلسفة أن لا تعاند العلم وأن تقبل منه كل ما يأتي به، وأن لا تتدخل فيما لا يعنيها، وأن تعاند الخرافة والجهل وأن تحارب التعصب والجمود والإنغلاق وأن لا تقع في براثن الغيب.
فالغيب ليس من أمر الفلسفة وإلا إذا ما استمرت الفلسفة مدافعة عن قضايا قد أسقطها العلم، فعندها لم يزدد طالبها إلى سخرية منها وإلا كيف تدافع الفلسفة عن نظرية الفيض مثلاً أو عن الطبيعة عند أفلاطون أو العناصر الأربعة عند أرسطو أو عن القول بوجود عالمين، وكل ذلك قد أسقطه العلم منذ كوبرنيكوس وغاليلو وكبلر، فكل هذا لا يمكن أن نفهمه إلا على أنه مرحلة من مراحل التفكير البشري ونمط منه ليس إلا، كما ستجدون في هذا الكتاب موقفاً من الغطرسة الأوروبية وإحساس الأوروبي بالتفوق والتفرد في مركز القيادة الحضارية، الأمر الذي لم يقبل به مدني صالح الذي رفض إحتكار الفكر والفلسفة في حضارة دون أخرى؟.