انطلق في سنة 1096 الرجال والنساء في الحملة الصليبية الأولى من أوروبا للسيطرة على الأرض المقدسة، في حين تم طرد بقايا المواطنين من الممالك والإمارات الصليبية التي أوجدوها هناك من قبل جيوش الإسلام عام 1291.
ولذلك، لفترة تقارب مائتي سنة كان الصراع مسلحاً للسيطرة على الأماكن المقدسة للعقيدة المسيحية، تلك الأماكن التي هي مقدسة أيضاً بالنسبة للمسلمين وتورط في هذا الصراع أفراد من أمم أوروبية ومواطنون تابعون للإمبراطورية البيزنطية والأرمن ويهود وأتراك وعرب ومغول - وبصرف النظر عن السكان المحليين لبلدان منطقة الشرق الأوسط فقد تصارعت فوق أراضيهم الجيوش المختلفة ضد بعضها بعضاً.
وحدث أن إنهارت نتيجة لذلك الإمبراطوريات القديمة ونشأت فوق أنقاضها إمبراطوريات جديدة فتغيرت ببطء ولين أنماط حياة الناس التي شملها الصراع الواسع.
لقد كان في الحقيقة صراعاً أو حرباً أممية شاملة: لعالم المسيحية الغربية المنبعث على نحو متألم من بربرية العصور الوسطى المظلمة الذي دخل في صدام على نحو واسع مع العالم المتمدن للإمبراطورية البيزنطية التي تخطت ربيعها السياسي ومن جهة ثانية، فكل من هذين العالمين قد اصطدم بالعالم الإسلامي الذي أقام ثقافته على القاعدتين الثقافيتين الرومانية والهلنسية (الإغريقية)، وكانوا أيضاً على خلاف مع الأتراك الذين قدموا من سهوب آسيا وليس لهم عادات حميدة أو خصائص مدنية، ومما يلفت الإنتباه أيضاً في هذين القرنين الهامين حدوث إنقسامات في الجانبين الإسلامي والمسيحي، فقد انقسم المشتركون المسيحيون في أحداث ذلك الوقت إلى معسكرين متحاربين على نحو متطرف، وفقد الكاثوليك الغربيون الثقة، واحتقروا المسيحيين البيزنطيين التابعين للكنيسة الأرثوذكسية كما كرههم بالمقابل أخوانهم في المسيحية الذين يتكلمون اللغة الإغريقية بينما انقسم العالم الإسلامي أيضاً إلى سنة يعترفون بسلطة الخلفاء العباسيين في بغداد، وشيعة ينزعون بولاتهم نحو خلفاء القاهرة الفاطميين.
ويبدو كل هذا على نحو واسع معقداً، وقد كان في الواقع كذلك غلى حد أنه كان من غير الممكن كتابة تاريخها جميعها في مجلد واحد، ومع ذلك فقد كانت هناك عدة كتب للتاريخ - مفصلة واسعة عن تلك الفترة من الزمن، كان بينها في المقام الأول المجلدات الثلاثة الضخمة (الحروب الصليبية) لمؤلفه ستيفن رنسمان Steven Runciman وإني لا أجد أية فائدة في محاولة ذكر كتاب آخر، ورغم كون مؤلف المؤرخ هانس ابرهارد Hans Eberhard ممتازاً وموجزاً جيداً في الإنكليزية، وقد كان هدفي أن أروي أخبار الحروب الصليبية بالبساطة والتوضيح، على أمل أن مثل هذا العمل يمكن أن يثبت الفائدة للقارئ العادي غير المختص، الذي ليس لديه ولوع بالدراسات التعليمية الثقيلة.