يكاد القارئ العربي، رغم ترجمة أعمال بيكارد إلى معظم لغات العالم، يجهل تماماً هذا الفيلسوف والكاتب اللاهوتي المهم الذي أُطلق عليه اسم "ضمير أوروبا"، ناهيك عن غياب تام لأي ترجمة لكتبه ودراساته إلى العربية، وإنعدام كلّي لأيّ بحث، أو متابعة فكرية أو أدبية لأفكاره التي تشغل مكانة مهمة في اللاهوت المعاصر، والتي جعلت كلاً من الروائي هيرمان هيسّه والشاعر ريلكه من بين أشد المحمّسين لكتاباته.
تنبع أهمية فكر بيكارد من تميّز الموضوعات التي عالجها، والقضايا الحسّاسة التي تناولها في كتبه ومقالاته وشرع بها من العام 1919، وتقوم الأفكار الرئيسية في أعمال بيكارد على وقوف الإنسان بين طرفّي معادلة شاقة؛ "مسؤولية محتومة وإمكانية أن يختار".
وإنطلاقاً من ذلك، اعتبر بيكارد كلّ ما لحق بالبشرية من مآسٍ تالية نتيجة منطقية لإنعدام التوازن بين طرفي هذه المعادلة، وبسبب غياب الإنسجام، سواء في العالم الخارجي الذي يعيش فيه الإنسان أو عالمه الداخلي.
ولهذا فإن الإنسان في العصر الحديث يعيش، بحسب تصوره، حالة تشرذم وهروب جماعي دائم، وقد رأى في الحروب، وصعود الديكتاتوريات وما تبعها من خراب وتدمير طاول الحضارة والإنسان، ومنها صعود الهتلرية إلى السلطة في ألمانيا، تجسيداً حيّاً لهذا الخلل في التوازن بين عالم الإنسان الداخلي وعالمه الظاهري.