هل تحتاج إنسان عصرنا إلى هوية بأربعين وجهاً، لكي يلبي حاجات الواقع المركب والمعقد الذي يعيش وسطه، يجيب المفكر الإيراني داريوش شايفان بأن "الفضاءات التي تصنعنا، فضاءات متنوعة غير نقية. لم تعد جذورنا واحدة، ولم نعد نعيش لوحدنا في أرض مغلقة. إننا ريزومات متصلة بالآخرين، وثقافاتهم، وعوالمهم، ومداركهم المتنوعة . هذه الحال تجعلنا حلزونات تحمل بيوتها على ظهورها، بمعنى أننا ننمو في فضاءات مفتوحة، وأسلوب حياتنا يحدد طبيعة رؤيتين. إننا بحسب الأواصر التي تنشئها مع المجالات الثقافية، نستطيع التموضع في المكان بمناخ مختلفة ...".
يأتي هذا الكتاب في إطار ما يُعرف بتحديث الفكر الديني، والكشف عن دوغمائية الإيديولوجيا، وأنها الوعي النقدي وعي زائف، فعبارات مثل "الهوية" ، "الذاكرة القومية" ، "الحكمة الخالدة" كلمات تحيل إلى ما اصطلح عليه شايغان "الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية". والمضمون المشترك بينها هوم "الموروث، أو الميراث، أو المأثور، أو التراث". يوضح الكتاب الإتجاه العام الذي هيمن على وجدان ووعي جيل شايغان في ثلاثينيات القرن العشرين ومثقفي العالم الثالث في تلك الحقبة وهو العمل على تهجين "الموروث" ، عبر سكبه بقوالب الإيديولوجيا، أي أدلجة الموروث وتحويله إلى نسق إختزالي مغلق، ولكن انبثاق الوعي النقدي لدى شايغان في تلك المرحلة قاده إلى مسار مختلف وهو تشريح الظواهر وتفكيكها، لاكتشاف البنية العميقة لها ... كما يتبع الكتاب ما كتبه شايغان في الأديان الآسيوية والتصوف والعرفان والحداثة وما بعد الحداثة، وما جاء في هذا الخصوص من نظريات ومناقشات أفرد لها المؤلف فصولاً في سياق منهجي منظم يمكن القارىء من التعرف على عوالم ثقافية ومصطلحات مثل "شيزوفرينيا ثقافية" ، "إحتضار الالهة" ، "الذاكرة الأزلية" ، "طوبوغرافيا الوجود المتعددة الأبعاد" ... وسواها.
قدم للكتاب بقراءة نقدية لأعمال داريوش شايفان المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي الذي تتبع خلالها ثلاث مراحل من فكر شايغان هي: "الذاكرة الأزلية" ، "الإيديولوجيا وعي زائف" ، "الهوية بأربعين وجهاً" وهي في مضمونها تشكّل خلاصة فلسفة شايغان حول الأديان وسيرته الفكرية، ومواكبته الجادة لرهانات الفكر والواقع.