العالم يتغير، على نحوٍ متسارع. والمجتمعات الإسلامية تتغير هي أيضاً، وبعكس ما يُظن، ولكن لتسير من سيء إلى أسوأ، بقدر ما هي مشدودة إلى ثوابتها الماورائية وأصولها الخُرافية وعقائدها الاصطفائية، أي كل ما يحول دون تقدّمها ويتحول إلى عوائق ومآزق.
والرهان للفُكاك من هذا الواقع المتردي، هو العمل الشاق والصعب على الذات لتغيير العقليات والأفكار. فمنها يتأتّى المأزق وبها يكون المخرج. سلباً عندما تُعامل القضايا والشعارات كأيقونات مقدسة أو كأختام أصولية؛ لتنتج تطرفاً وعنفاً أو فقراً وتخلّفاً. إيجاباً عندما تعامل بوصفها منبع الإمكان، أي طاقتها على الصرف والتحويل، بالتخيل الخلاق والفهم الخارق والتركيب البنّاء، لكي تُثمر انفتاحاً وتبادلاً أو نمواً وازدهاراً.
وإذا كانت المجتمعات البشرية توشك على الخروج من الحداثة إلى ما بعدها، ومن العلمنة إلى ما بعدها، فليس ذلك مدعاة للتمسك بالخيار الديني، كما يحسب أصحاب المشروع الإسلامي. بالعكس، ثمة أفق ينفتح أمام المجتمعات العربية المأزومة، للخروج من الفلك الديني والتحرر من عبادة الإسم وعقدة الأسلمة للهويات والمجتمعات والدول، لابتكار صيغ تصنع بها حياتها وتشارك في صناعة الحضارة.
«الجهاد وآخرته ما بعد الأسلمة» الكتاب الجديد للمفكر اللبناني علي حرب يتابع خلاله تناوله للظاهرة الإرهابية الجهادية، مستعيداً بذلك الأطروحة التي وجّهت مقاربته للمسألة، وعنوانها "الإرهاب هو صنيعة المؤسسة الدينية". وبالطبع فالاستعادة هنا على سبيل التوسيع والإثراء، على وقع ما استجدّ من الأحداث والتطورات الراهنة.