كان تدوين هذه السيرة بالنسبة للكاتبة ميشيل فيتوسي مساهمة في فضح العسف الذي أدى بأمّ وستة أطفال إلى عيش محنة مريرة. فما عانته هذه العائلة سيظل يستثيرها كما تستثيرها على هذه الأرض انتهاكات حقوق الإنسان. وهي ميشيل فيتوسي لم تكن تعرف الكثير عن تاريخ المغرب، ولم تكن مطلعة على خلفيات سجن عائلة أوفقير، كل ما كانت تعرفه أنها وخمسة من أشقائها وشقيقاتها ووالدتهم قد سجنوا طوال عقدين، كعقاب على الانقلاب العسكري الذي نظمه والدها.
ففي السادس عشر من شهر آب/أغسطس من العام 1972 حاول الجنرال محمد أوفقير، الرجل الثاني في النظام يومها، اغتيال الملك الحسن الثاني. فشل انقلاب الجنرال أوفقير وأعدم الرجل فوراً بخمس رصاصات استقرت في جسده، يومها قرر الملك إنزال أبشع العقوبات بعائلة الجنرال المتمرد. فذاقت العائلة أقسى ألوان العذاب في معسكرات الاحتجاز والسجون والمطامير. يومها كان عبد اللطيف الأخ الأصغر، لا يكاد يبلغ الثالثة من العمر. هذا عن سنوات السجن، أما طفولة مليكة فهي فعلاً متميزة، إذ تبناها الملك محمد الخامس وهي في الخامسة من العمر، وترعرعت مع ابنته الأميرة أمينة لتقارب عمريهما، وحين توفي العاهل المغربي أخذ ابنه الحسن الثاني على عاتقه تربية البنتين وكأنهما بنتاه.
أمضت مليكة أحد عشر عاماً في حياتها في القصر، وراء أسوار قصر قلما خرجت منه، أي أنها كانت منذ ذلك اليوم سجية الترف الملكي، وحين سمح لها بمغادرته أمضت عامين من مراهقتها في كنف أهل متنفذين ومتمكنين. حين وقع الانقلاب تيتمت مليكة مرتين، أو فقدت والدها الفعلي وعطف الملك، والدها بالتبني.
هنا تكمن مأساة مليكة أوفقير وحدادها المزدوج وسؤالها الكبير عن الحب والبغض. فهل للحياة معنى حين يحاول أعزّ من عندها (والدها الحقيقي) قتل والدها بالتبني (الملك)؟ وكيف يتحول والدها بالتبني إلى جلاد بلا رحمة؟!! عظيمة كانت محنة مليكة، هذه المأساة هي جوهر هذا الكتاب.
لا السجينة ليلى ولا قراصنتها ذئاب ولا حديثها كحديث ليلى والذئب. فإن تكن سيرة السجينة، مليكة أوفقير، خارجة عن المألوف عصية على التكرار، فقصة السجينة، الكتاب، في ترجمته العربية، من "صميم" النشر العربي.
كل ما في الأمر أن دار الجديد عزمت بعد اطلاعها على السجينة في نصه الفرنسي على نقله إلى العربية وإنفاذاً لخطتها بادرت إلى الاتصال بدار النشر الفرنسية صاحبة الحقوق للوقوف عنها على شغور حقوق الترجمة إلى العربية. وإذ تبين لدار الجديد أن لا ناشر عربياً سبقها إلى حيازة هذه الحقوق قامت بمفاوضة دار غراسيه عليها وكان أن تم الاتفاق بينهما ووقّعا في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عقداً يوثق ما اتفقا عليه وأوكلت إلى دار الجديد إلى السيدة غادة الحسيني القيام بالترجمة من الفرنسية إلى العربية على أن يكون فراغها من ذلك على مطالع آب 20000 فيصدر الكتاب أواسط أيلول.
سار كل شيء على ما يرام أو ظنناه يسير كذلك إلى أن جاءنا بالأخبار، مطلع أيار الماضي (2000)، من لم نزود جعبته فوق الخبر نسخة "مغرضة" من السجينة صادرة عن الدار الوطنية (دمشق). وما هي إلا أن وردت علينا نسخة "مقرصنة" ثانية بألوان دار ورد (دمشق).
عند هذا الحدّ، وبين يدي النسختين "المقرصنتين" اللتين بدأتا بالتسرب إلى السوق اللبنانية وإلى سواها بالطبع، لم نر بداً من شيء من قبيل "أضعف الإيمان" فكان بيان تحت عنوان "أعيدوا إلينا إبلنا"، ورسالة إلى مجلس نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين؛ ووقعت الرسالة هذه التي نشرتها إحدى اليوميات البيروتية في أذن صاغية فكان ردّ عليها بتوقيع القيم على دار ورد فردّ على الرد بتوقيع دار الجديد، وطوي السجال إلى أن حسمه، ولو متأخراً بعض الشيء، رئيس لجنة حماية الملكية الفكرية والأدبية عضو اللجنة العربية في اتحاد الناشرين العربي جوزيف أديب صادر في بيان أذاعه أواخر آب/أغسطس 2000. وجاء فيه على نية الزملاء السوريين المتحججين بأن بلدهم غير ملزم باتفاق التريبس: "صحيح أن التريبس لحماية حقوق المؤلف لا يسري على سوريا لافتقارها إلى الأنظمة والقوانين المرعية، ولكن ذلك لا يخول بالطبع الأخوة الناشرين فيها التعدي على حقوق الآخرين وملكياتهم الأدبية"(1).
في ما بين ذلك، وإذ لم يكن لوقتنا هذا أفضل مما كان على المستوى القانوني، ولا إيمان أقوى، وجب علينا أن نحزم أمرنا في شأن إصدار طبعتنا من السجينة أو العزوف عن ذلك-على علمنا سلفاً بأن طبعتنا هذه برسم منافسة أقل ما يقال فيها أنها غير مشروعة.
والحق أن تشجيع الأصدقاء لنا على اعتبار الترجمتين المذكورتين كأن لم تكونا والمضي قدماً في العمل على إصدار ترجمتنا، وإصرار السيدة غادة الحسيني على إنجاز ترجمتها تبرعاً، فضلاً عن موافقة هذين التشجيع والإصرار موقفاً مبدئياً من جانب دار الجديد بـ"رفض الأمر الواقع"، وبرفض منطق الاستباحة المتذرع بواقع قانوني لا يشرّف المحتجين به باسم "آداب مهنية" لا يقدم فيها هذا الواقع القانوني ولا يؤخر-هذه الأسباب مجتمعة هي ما يحدو بنا إلى إثقال "المكتبة العربية"(!) بطبعة ثالثة من كتاب ليس منها بالحصى التي تسند الخابية. ولا بالأثر الفذّ الذي يستدرك عليها فوتاتها، ولكن حسبه أن يشهد شهادة متواضعة ضد القرصنة، كل قرصنة.