هذه خلاصة يافا بعيون الشاعر راشد حسين، بعد عشرين عاماً كاملة على تفكك حامية يافا، فإحتلال المدينة، الحامية التي صمدت وحمت يافا على مدار خمسة شهور من المعارك اليومية، واختتمت مسيرتها بصمودها أمام هجمات العدو بمنظماته المختلفة إثر 25 نيسان / إبريل، فلم تسقط المنشية إلا مع سقوط آخر شهيد أفرغ رصاصه في صدور الغزاة يوم 3 نيسان / إبريل، ولم يات يوم الختام إلا من بعد تحرير تل الريش وإيقاع أقسى الخسائر في صفوف لواء غفعاتي، لكن في النهاية كانت الخاتمة وتفكك الحامية، يوم فقط الأمل، فسقطت المدينة وما زال أهلها يترنمون ويغنون على أمل: "لكننا عدنا، عدنا مع الصباح... جئنا من الرياح كما يجيء المارد... ودخلناها ميناء يافا... يا طيب العود إلى يافا... وملأنا الضفة أصدافاً... يا أحلى الأيام بيافا... كنا والريح تهب تصبح نقول سنرجع يا يافا... واليوم الريح تهبّ تصيح ونحن سنرجع يا يافاً".

وحول مأساة سقوط حامية يافا تأتي نصوص هذا الكتاب بدراساته (محاوره) الثلاث ومواده الوثائقية، كمحاولة أولية لدراسة تجربة حامية يافا خلال (كانون الأول / ديسمبر - نيسان / إبريل 1948)، قُسّمت حامية يافا، المنشورة في هذا القسم إلى محورين؛ في المحور الأول نسخة من الموقف اليومي لجبهات الحامية المختلفة يوميات جيش حُماة الأقصى / حامية يافا، في المحور الثاني نسخة من بقية وثائق الحامية، ألحق بها عدد من بيانات الحافية المنشورة في الصحف، ووثائق الهيئة الوطنية المرتبطة بنشاط الحامية.

إن أبرز ما احتوته وثائق الحامية في الفصل الأول؛ سلسلة تقارير الموقف اليومي لجميع جبهات المدينة، وقد انطلقت هذه السلسلة أولاً بمبادرة من جبهة منطقة الجبالية التي ارسل قائدها، عبد الباري الهسّي، أول تقرير يلخص الحوادث الجارية في منطقته تحت عنوان "البلاغ الأول"، وسلّم التقرير، كما نشير ملاحظة سُجّلت عليه، إلى عضو اللجنة القومية، المسؤول عن أمور الأمن في المدينة، صلاح الناظر، ثم أرسلت جبهة البصّة وشارع سلمة تقريراً يوميّاً بدءاً من 8 شباط / فبراير 1948.

أضيف إلى تقارير الجبالية اليومية، لكن بدءاً من 9 شباط / فبراير 1948، وفي خطوة تنظيمية تدلّ على نضوج بنية الحامية، والبدء بمرحلة تنظيمية جديدة، بدأت جبهات يافا بإرسال سلسلة تقاريرها اليومية التي استمرت إلى نهاية نيسان / إبريل 1948، كما بدأت القيادة العامة في إنجاز تقرير يومي يُجمل نشاط الجبهات المختلفة.

تضمنت التقارير في مجملها تدويناً للحوادث الجارية في اليوم السابق، والإصابات والخسائر التي وقعت خلالها في صفوف المجاهدين، وفي صفوف العدد، كما تضمنت أحياناً ملاحظات أو شكاوى مرتبطة بالتنظيم أو التموين أو التسليح، وكانت تغطي، زمنيّاً، أربعاً وعشرين ساعة، تبدأ من الساعة السادسة صباحاً، وتنتهي في السادسة من صباح اليوم التالي.

هذا وبالإضافة إلى تقارير الموقف اليومي التي نُشرَت محررة في المحور الاول من القسم الأول الآنف الذكر، ضمت بقية وثائق الحامية التي نُشِرت في المحور الثاني تحت اسم "مختارات وثائقية" من هذا القسم، وضم بعضها في هوامش المحور الأول: 1-التعميمات الإدارية الصادرة عن الحامية التي توضح بنية الحامية وواجبات كادرها وتوزيع جبهات المناطق والمناصب الإدارية؛ بالإضافة إلى بيان بعض الإجراءات التنظيمية المتعلقة بشؤون الحامية، 2-مجموعة مراسلات بين قيادة الحامية وعدد من الجهات، 3-تقارير المفتش العام للحامية، وهي سلسلة تقارير سجلها المفتش العام حسن حسونة، وتتعلق بمتابعة شؤون الجبهات، 4-وثائق الجبهات؛ وهي مجموعة من المراسلات والتقارير والشكاوى المرسلة من قادة جبهات المناطق أو بعض جنودها، ولا تتعلق بتقارير الموقف اليومي.

هذا وتتفاوت هذه الوثائق في أهميتها، إلا أنها تستكمل ما تقدمه تقارير الموقف اليومي بما يوفّر صورة شاملة لنشاط الحامية، من شباط / فبراير، ولغاية نهاية نيسان / إبريل 1948.

وتتسم وثائق الحامية عموماً بدرجة مصداقية عالية، ودقّة كبيرة، مقارنة مع المصادر الأولية الأخرى؛ لقربها من الحدث أولاً، وثانياً؛ لأنها كتبت لأغراض داخلية فتجاوز صيغ المبالغة التي تتسم بها عادة بعض المصادر: كأخبار الصحف، وثالثاً؛ لأنها تقدم مادة يومية تغطي التطور التاريخي لبنية الحامية بصورة دقيقة، لكن أحياناً تظهر المبالغة في بعض تقارير الموقف اليومي، خصوصاً عند تقدير الخسائر الواقعة في صفوف العددّ.

وأخيراً هناك محور ثالث وأخير في هذا القسم، تم فيه تسجيل قوائم بأسماء مجاهدي الحامية، وقائمة بأسماء شهدائها، اسْتُخْرِجت من وثائق الحامية، وتقارير الموقف اليومي، وقوائم المجاهدين، وقوائم الرواتب.