"غمرات العشق" هي العمل الروائي الأول للصحافي العراقي "عيسى العيسى" يطل عبر حقول ومجالات وفضاءات ثقافية مختلفة ومتفاوتة في السياسة والمجتمع يقف فيها عند منعطفات هامة من تاريخنا المعاصر.
وفي هذا العمل يرصد "عيسى العيسى" تأزمات المجتمع العربي على مختلف الصعد والمستويات: السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى العسكرية في ظل الأنظمة التي سيطرت في النصف الأخير من القرن العشرين.
أهم ما يميزه تقانة السرد والشجاعة في معالجة الجانب الخفي من تاريخ بلاده بالأخص - العراق - والأحداث الدراماتيكية التي كان أثرها بالغاً على الأفراد، وخصوصاً من اغترب عن وطنه مرغماً وهذا ما جسده في بطل روايته "عدنان" الذي تحدث بلسانه الراوي في جميع مراحل عمله الأدبي وهذا ما عرف بالسيرة النصية في الأدب التي أصبحت أسلوباً رائجاً لدى غالبية الأدباء. وهنا ينقل لنا الراوي اصطدام البطل بالحداثة التي ميزت بودابست عن بلاده في محطات كثيرة وقف عندها "عدنان" وخصوصاً في علاقة مع "ريتا" التي أثارت في نفسه مشاعر ونوازع متناقضة (... فكنت عندئذ تتوقد بمشاعر الحب والقوة لكي يحميها وتكون لها الملاذ بالفعل بينما تتدافع في أعماقك نوازع الفرار اليها مطلقاً كأنك تهرب، وتهرب، وتهرب من صواعق الخيبة والإحباط والفشل.. من مخاوف الطفولة المطوقة بالخرافات ورعونة المراهقة.. من دكاكين السياسة والعساكر المخصصين وسماسرة الوهم...).
هكذا هو "عيسى العيسى" يكتب سيرة بالذات، حين يكتب الرواية، يكتب العالم ببعديه وبتركيب جديد في داخله ينطلق من مفهوم عالمي وإنساني أكثر؛ فما دامت المصائر مرتبطة والتحديات مشتركة فلا شرق بدون غرب، ولا غرب بدون شرق، وبهذا يكون الكاتب قد يزاوج ما بين الخصوصية العربية والعالمية في نقده للواقع وتخصصه لما آل اليه الوضع العربي في الآونة الأخيرة... جدير بالقراءة.
كنت وسط الزحام على حافة الرصيف الأيسر الذي يتصاعد نحو جامعة براغ إذ كانت سقوفها تبدو أمامك شاهقة فوق ذلك المرتفع. فتمهلت في مشيتك إلا إنك رأيت في البعيد فتاة شابة تنحدر راكضة باتجاهك.. كانت مسرعة قدر ما يسمح لها اكتظاظ الرصيف بالناس .. فمرة تبدو هيئتها كاملة عن طرف الرصيف ومرة يظهر رأسها فقط وهي تموج بين الرائحين والغادين.. اقتربت قليلاً نحوك فرأيت أنها تلبس بنطال جينز ومعطفاً من الجلد (الشامواه) وتغطي رأسها بطاقية من الصوف الأبيض. كان شعرها طويلاً . كانت شابة رشيقة . لكنك استغربت استمرارها في الاتجاه نحوك. وبعد لحظة اندفع من ورائك شاب فارع يرتدي جاكيتة سوداء وغطاء رأس صوفي بني اللون وهو يتراكض صعوداً بالاتجاه المعاكس. ثم التقى الاثنان لقاء عنيفاً، وأخذ كل منهما يحضن الآخر ويقبله. كنت تتجه نحوهما فرأيت كيف رفع الشاب حبيبته إلى صدره وظل يدور بها على الرصيف وهي تفرد رجليها في الهواء وراءها غير مبالية بالزحام. توقف الشاب. ولف ذراعه اليمنى حول رقبتها إلى صدره وهما يهبطان منحدر الرصيف حتى تجاوزاك.