أخطر ما في الأمر أنّ معرفة العدوّ ظلّت، بالنسبة للباحث العربي، معرفةً ذهنيّة استاتيكيّة يختلط فيها التاريخ بالآيديولوجيا؛ لكنّ هذا الكتاب ليس من الكتب التي تعاين الموضوع الصهيوني بعين تفرّجيّة باردة تتوهّم أنها تنتج "معرفة عضويّة" بموضوعها، بل هو واحد من الكتب القليلة - ربّما - الّتي تعاين التاريخ وهو يتحرّك مشدوداً إلى الآيديولوجيا، وتعاين الآيديولوجيا فيما هي تتحوّل وتحوّل حركة التاريخ.
أنّ أهميّة هذا الكتاب تكمن في أنّه يفكّك النظام السياسيّ الإسرائيليّ ويعيده إلى الجذور اللاتاريخيّة التي يقوم عليها، ويبيّن دور الدين في إعاقة تحوّل الكيان الصهيوني إلى كيان تاريخي.
لقد عزّز هذا الكتاب قناعتي بأنّ الشخصيّة اليهوديّة هي شخصيّة المقامر الّتي تتأرجح بين التاريخ والآيديولوجيا، وبين الواقع والحلم، لذا فإنّ السياسية الإسرائيليّة برمّتها تظلّ مشدودة بين ذينك القطبين، ولا تستطيع أن تحرّر حركة (التاريخ) / الواقع من الآيديولوجيا / الحلم.
ثمّة - إستناداً إلى هذا الكتاب - إسرائيل أخرى أقلّ إتقاناً، وأقلّ ذكاءً، وثمّة باحث فلسطينيّ قادر على تفكيك شبكة الوهم المعرفيّ الّتي جعلت من إسرائيل متخيَّلاً خارقاً للتاريخ ولقوانينه.
أن أحمد رفيق عوض، في هذه الدراسة العلميّة الثمينة، ليس باحثاً يستسلم للصرامة المنهجيّة، أو يكتفي بمقاربة موضوعه مقاربة ذهنيّة إستاتيكيّة باردة، إنّه يعرف موضوعه معرفة جوانيّة ويؤسّس عليها، لذا فإن ما يجده القارئ في هذا الكتاب لن يجدد في سواه، إنّه بحث علميّ رصين وعمل إبداعيّ في آن.