"في أحد أيام الصيف الحارة وبالتحديد في 13 من شهر مرداد، وفي نحو الثالثة إلا ربع وقعت في الحب، ما تجرعته من عذاب ومرارة لا يمكن وصفهما أبداً جعلاني في حالة انتهاك، لو كان اليوم هو الـ 12 أو الـ 14 من شهر مرداد لما حدث ما حدث. في ذلك اليوم، كما في بقية الأيام، أرسلوني وأختي إلى القبو لننام، بالوعيد تارة، وبالوعود تارة أخرى. فمع ارتفاع الحرارة في مدينة طهران تصبح قيلولة الظهيرة أمراً إجبارياً للأطفال، ولكن في ذلك اليوم، كما هي الحال في كل يوم، كنا ننتظر أن ينام أبي لنخرج إلى البستان، وعندما تناهى إليّ شخير أبي أبعدت الملاءة عن رأسي وألقيت نظرة على ساعة الحائط، الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، المسكينة أختي نامت وهي تنتظر أبي أن يغفو، فكان عليّ الزحف تاركاً إياها وحيدة. مرت نصف ساعة و "ليلى" ابنة خالي وأخيها الصغير ينتظراننا في البستان، ولم يكن هناك جدار يفصل بين منزلينا الواقعين في البستان الكبير. ومثلما كنا نفعل كل يوم ظهراً، انشغلنا باللعب والحديث تحت ظلال شجرة الجوز الكبيرة، وفجأة التقت عيناي بعيني "ليلى"، حدقت فيهما، ولم أستطع إبعاد نظري عنهما. لا أدري كم من الوقت مرّ ونحن نتبادل النظرات، حيت باغتتنا أمي وهي تحمل عصاً بيدها مهددة إيانا. هربت "ليلى" وأخوها إلى بيتهما، وأعادتني أمي متوعدة إلى القبو. وقبل أن أغطي رأسي بالملاءة وقع نظريي على ساعة الحائظ، الساعة الثانية وخمسون دقيقة بعد الظهر. ولم تكد أمي تضع رأسها على الوسادة حتى قالت الحمدلله خالك نائم، وإلا لقطعكم إرباً. الحق مع أمي، فهو حريص على تنفيذ أوامره بالحرف الواحد، فقد أصدر أمراً بأن الأطفال لا يمكنهم حتى التنفس قبل الساعة الخامسة عصراً. لم نكن نحن الأطفال وحدنا المحرومون من طعم اللعب في البستان، بل حتى الغربان والعصافير حُرمت من نعمة اللعب ظهراً إذ قام خالي مراراً بارتكاب مجازر جماعية ضدها ببندقية، والباعة المتجولون أيضاً لا يقتربون من زقاقنا المسمى باسمه حتى الساعة الخامسة لأن باعة البطيخ والبصل المتجولين أخذوا حصتهم من صفعات خال العزيز. ولكني منشغل اليوم بأمر آخر، فلم يعد اسم خالي ومعاركه تهمني، لم أقدر على الهروب من عيني "ليلى" ونظراتها، فأينما التفتّ أو انقلبت كنت أراهما أكثر بريقاً.. لا أدري كم مرّ من الوقت... حاولت أن أستحضر في ذاكرتي كل ما يتعلق بالحب.. وبرزت في ذاكرتي لأول وهلة، قصة "ليلى" والمجنون وما أعرفه عن ذلك الحب، إذ استمعت لقصتها مراتٍ عديدة، ولكني مهما حاولت أن أعتصر ذهني لكي أعرف تفاصيل ذلك الحب لا أصل إلى شيء، فكل ما قالوه ويقولونه إن المجنون عاشق "ليلى" .من الأفضل أن لا أتعمق في في تفاصيل حكاية المجنون و "ليلى"، لأن اسم "ليلى" هو نفس اسم ابنة خالي العزيز، وقد يوصلني الأمر إلى مالا تحمد عقباه، ولكن لا حيلة لديّ لأن أهم عاشق أعرفه هو مجنون ليلى... استمعت إلى دقات ساعة القبو الأثني عشر... حاولت النوم، أحكمت إغلاق جفني لأهرب من ممرات ما أنا فيه، فمن حسن حظ الطفل، وإن أصبح عاشقاً أن يتغلب عليه. أطلّ الصبح ولا مجال لدي بالعودة إلى العشق لأني نمت أكثر مما يجب. استيقظت على صوت أمي: انهض، انهض خالك يريدك. ارتجفت كأنني لمست سلكاً كهربائياً.. لم أستطع التفكير إلا في أمر واحد، رغم كل الدلائل التي تشير إلى استحالتها حتى لعقل طفل. بالتأكيد أن خالي العزيز اطّلع على سرّي، كنت أرتعد من الخوف.. فقلت لأمي.. ألا تعرفين ما الذي يريده خالي العزيز مني؟ كان جواباً هادئاً: ليجمع الأطفال. كان خالي جالساً في الغرفة الكبيرة.. استقبلتني "ليلى" بنظرة منها وتجمدت نظراتنا مرة أخرى.. خرج خالي العزيز بقامته الطويلة وجسمه الهزيل وهو يعدل عباءته.. وكانت ملامح وجهه لا تدل على خير.. وقال بصوت مرعب: من منكم قام بتوسيخ باب هذه الساحة بالطباشير؟ ومدّ اصبعه النحيف الطويل صوب الباب.. وقد كتب عليه أو في الواقع كتب خلفه بالطبشور بخط معوّج: "نابليون الحمار". اتجهت الأنظار هذه المرة، بصورة غير إرادية، إلى "سياميك".. و "سياميك" كان أشدّنا شرّاً، وأثناء حديثنا كان يعد أنه سيقوم يوماً بإثبات حماقات نابليون.. فجأة بعد لحظة صمت مرعبة صرخ خالي العزيز صرخة لا تتناسب مع نحافته: قلت لكم، من قام بذلك؟ عادت الانظار الخفية إلى "سياميك" فأحس خالي العزيز بها هذه المرة، فحدّجه بنظرة غاضبة مخيفة... وعندما صدر الحكم أثناء التحقيق في الجريمة... جرى "سياميك" إلى بيتهم وهو ينتحب. فذهبا خلفه والصمت يغلّفنا بسبب الخوف من خالي العزيز، وبسبب مجازاة "سياميك" لحزنه، والذي كنا نحن السبب عندما شكا "سياميك" لأمه وهو يبكي ما فعله خالي العزيز، ورغم أنها تعرف من يقصد بخالي العزيز إلا أنها سألته: أي خال؟ فأجاب الطفل بعفوية: خالي العزيز "نابليون". صدمنا كلنا نحن الأطفال إذ كانت هذه هي المرة الاولى التي يذكر فيها هذا اللقب أمام الكبار والذي كنا نتداوله بيننا فقط. بالطبع عُنّف "سياميك" من قبل أبيه وأمه، ولكننا تنفسنا الصعداء، من كثرة تكرار هذا اللقب بيننا وبين أنفسنا حتى كاد يخنقنا"