عبر مفاضلة بين ثنائيتي العقل/الحكمة، والعاطفة /الغضب، ومن خلال طرح
الاستطالات النفسية والمجتمعية لكل طرف من أطراف هاتين الثنائيتين، مع وصف
للأعراض الجسدية السابقة والمرافقة والناتجة، ينطلق سينيكا الژواقي منذ حوالي
الألفي عام في مهمته الهادفة إلى سبر أغوار النفس البشرية في حالة تمن
العاطفة/الغضب منها وانتفاء العقل الحكمة عنها.
وعلى مدى صفحات هذا الكتاب الدليل سنجده يثبت الوقائع ويفد الادعاءات ويقيم
الحجة ويسقط المزاعم ويضرب الأمثلة من التاريخ الذي سمع بوقائعه ومن واقعه
الذي عايش أحداثه ليصل بالمتابع في المحلة إلى نتيجة تقول، كما ورد في آخر سطور
كتابه الذي بين أيدينا: " لنبق مزاجنا رائقة على الرغم من الخسارات والإجحاف
والإساءات والتهمات التي تتعرض لها، ولنصطبر بكبرياء على مشاكلنا الفانية،
فبينما نحن منشغلون بالتفكير في الأصلح لنا، كما يقول المثل، ويساورنا القلق على
أنفسنا، سنجد الموت قد حل في ساحتنا".
وسواء قبلنا أم أنكرنا في زمننا هذا كل أو بعض ما قام بمناقشته في حينه، لا يمكننا إلا
أن نقدر جهده واجتهاده ونستمتع بسرد الفيلسوف الأديب في مناظرته المفترضة مع
غريم ما بشأن تلكما الثنائيتين، مع التركيز المسهب على قضية الغضب.
وهنا، نستذكر ما قاله روبرت غرين إنجرسول، الكاتب والخطيب الأميركي: "الغضب
هو الرياح الوحيدة التي بمقدورها أن تطفئ شعلة العقل".