منذ أن صفّقت (نورا) الباب وراءها منطلقة إلى الحياة الواسعة خارج أسوار (بيت الدمية) في مسرحية الكاتب (ابسن) - وعدد لا يحصى ولن يحصى من الأبواب تصفِّقها النساء وراءهن كل يوم في عملية نمو مثابر لا رجعة فيه. كل بطلة من بطلات (عالم النساء الوحيدات) صفّقت وراءها الباب بطريقة ما رفضاً لواقع لم يعد ينسجم في جوهره مع التحوّلات الفكريّة والثقافيّة والإجتماعيّة التي تتلقّفها النساء ويقبضن عليها بتصميم ويستنبتن منها الثمار الموعودة، يحلمن بأفيائها الرحيمة من جور شرطهن المتعسِّف، حتى بدالنا كأنّ هذه التحولات لا تنبت إلا في حقول النساء آمالاً وأحلاماً في حقب ماضيات ثم مواقف وخيارات واعية وقناعات فيما بعد. إن خيار الوحدة هنا ليس ناتجاً عن هزيمة هؤلاء النساء المأزومات المهمومات، بل عن مثابرتهن وكفاحهن فجميع بطلات لطيفة الدليمي رفضن الصيغ السهلة للحصول على التقييم والتقدير والمكانة الإجتماعية وبحثن عن الصيغة التي تستوعب صبواتهن المجسدة لوعيهن بجوهرهن الإنساني ولا يمكن أن يؤدي ذلك إلى الهزيمة أبداً رغم أنه قد يفضي إلى الإنهيار. إن تصوير المظاهر الخارجية لعملية التحول في حياة المرأة أمر سهل وفي متناول الكثيرين، لكن الغوص خلف المظاهر لإكتشاف التفاعلات المشجعة أو المحبطة، المحرضة أو المعيقة، الذاتية او الموضوعية أمر لم يتصدَّ له الكثيرون ويمكنني القول أن لطيفة الدليمي خاضت هذه المخاضة الصعبة مؤشرة ليس فقط على قدرات إبداعية فذة بل وقبل ذلك على رؤية متمكنة لحركة المجتمع من خلال وعي متماسك ووضوح رؤية ونضج فكري وعاطفي مكنّها من إنجاز هذا التجسيد الحي والدقيق والمفعم بالحياة كالذي قدمته لنا في (عالم النساء الوحيدات).