الأزمنة السائلة هو نص يملك من القدرة التفسيرية ما يجعله مناسباً لفهم تحولات كثيرة يمر بها عالمنا الراهن الذي لم تعد تقسيماته الجغرافية دالّة، بمثلما باتت التقسيمات الثقافية والاقتصادية، على محكات الغنى والفقر والاستكبار والاستضعاف، هي الأكثر مركزية. يواصل زيجمونت باومان في هذا الكتاب ما بدأه في الكتب الثلاثةمن سلسلة السيولة، التي صدرت عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر،من بيان وتفصيل ملامح عصر “الحداثة السائلة” التي نعايشها من خلال عدة قضايا، تجمع بينها مستجدات مهمة في انتقالنا من الحداثة الصلبة إلى الحداثة السائلة الذي بشر بعالم أفضل وأصبح هو العادة الأكثر استقراراً في حياتنا الفردية والجماعية، وهو العامل الذي يشكّل ثقافتنا اليومية والمعيشية، وبه نواجه الصدمات والتحديات وننجح أو نفشل في مواجهة الإخفاقات.
وبحسب باومان إن “انهيار التفكير والتخطيط والفعل طويل الأجل، واختفاء أو إضعاف الأبنية الاجتماعية التي يمكن أن تترسخ فيها عمليات التفكير والتخطيط والفعل يفضي إلى تحول التاريخ السياسي وأنماط الحياة الفردية إلى سلسلة من مشروعات وحلقات قصيرة الأجل لا تشكل سلسلة يمكن وصفها بدقة في إطار مفاهيم من قبيل “التطور”، و”النضج”، و”التدرج الوظيفي”، و”التقدم”…وأن الحياة التي بلغت قدراً من التفكك تتطلب أن تكون كل خطوة في استجابة لمجموعة مختلفة من الفرص وتتطلب مجموعة مختلفة من المهارات وتدبيراً مختلفاً لمصادر القوة…”.