هنا 50 شهادة ومقالا، كُتِبتْ خلال السنوات الخمس الماضية، عن فلسطين وظلال قضيتها، ثمة أحداث كثيرة وأسئلة أكثر انبثقت خلال هذه السنوات، وهي فترة ليست قصيرة أبدًا، إذا ما تذكرنا أن تاريخ يوم واحد نعيشه، هو في الحقيقة موجز لتاريخ البشرية، فما بالنا إذا كان الأمر متعلقا بخمس سنوات!
هذه المقالات (المختارة) كُتِبتْ ونُشِرَتْ، في جريدة "القدس العربي"، في حين نُشرت الشهادات في صحف ومجلات أخرى، وبعضها قدِّم في مؤتمرات، وقد تمّ ترتيب محتويات الكتاب في ثلاثة أقسام، مع مراعاة تسلسل تواريخ نشرها في القسم الثاني، لأن هذا الترتيب أشبه ما يكون بالتطوّر الدرامي الذي عصف بفلسطين ومواقف الأنظمة العربية منها في سنوات غادر فيها كلّ رماديّ موقعه ليلتحم بالظلام الكبير.
ما احتواه الكتاب محاولة لتأمّل ربع قرن مضى، تبدّلت فيه الأحوال، ولم تزل، ومحاولة لتأمّل تاريخ طويل باتّساع قرن، شهد صعود إمبراطوريات وأفول أخرى، وتغيُّرَ أقنعةٍ ما لبث أن غدا تغيُّرًا في الوجوه، وحكاية شعب، رغم ذلك كلّه، يدرك أن فلسطين وجهه وقلبه وقِبْلته، ومحاولة لتأمّل الثقافة، عربيا، وفلسطينيا، ودوْرها، وإشعاعها رغم محاولات خنقها ومحوها، ومحاولة لتأمّل مأزق عدوِّ، رغم كلّ ما حقّقه من انتصارات، لم يستطع أن يضع نقطة في آخر سطر صراع وجودنا معه، ومحاولة لتأمِّل وهْمِ أولئك الذين يعتقدون، طائعين أو مُرغمين، أن ثمة أفراحًا يمكن أن تكون في حفلات رقصهم مع الضِّباع. هذا الكتاب، بصورة من الصور، يفيض عن لحظة ميلاده ولحظة نشره، وما بين اللحظتين من تحولات، لأن أجمل ما في النصّ، عمومًا، أن له منطقه الذي يتجاوز لحظة الكتابة، بكل ما فيها من أفكار، ليمضي، مثل آلة الزمن، للبحث عن جذور تلك الأفكار، ثم يرتد من الماضي ذاهبا إلى الأمام؛ إلى المستقبل، في محاولة لمعرفة ما سيؤول إليه الحال؛ وهو هنا حال فلسطين التي ابتُليت بأوبئة كثيرة.
هذا الكتاب محاولة لقول شيء ما، في هذا كلّه، كي لا يُقال ذات يوم: لماذا صمتَ الشعراء والكتاب والفنانون. فكل حدث كبير اختبار صعب لما كنّا كتبناه قبْله، وما أقسى أحداثنا الكبرى! صحيح أن هناك حاجة متجددة لما سيقوله المثقفون، ولكن هناك ضرورة قصوى لأن نتأمل كل ما قالوه قبل وصول المأساة، أهذا اختبار لحالة يقظة الوعي والضمير لديهم؟ بالتأكيد.