يطلع علينا الطب الحديث بالكثير من العناوين البارزة كل يوم ، الأمر الذي يشوّش على وضوحها ، ويصبح من المستحيل تقريباً معرفة ما هو مهم هنا والآن . قد تبدو وكأنك مجرد كونك على قيد الحياة هو في حدّ ذاته خطر على صحتك . من أجل ذلك كان لا بد من تبسيط الأمور . إن الأزمة الأكثر إلحاحاً التي تواجه صحة الإنسان اليوم تنبع من شيء يعتبره معظم الناس أمراً مسلماً به ؛ ألا وهو مناعتهم . هذا هو المحك حيث تتصادم الصحة والمرض . يتم تعريف المناعة طبياً على أنها الدفاع الذي يراكمه جسمك ضد الأخطار المحدقة ، والمعروفة طبياً باسم العوامل الممرضة . في المصطلحات الشائعة ، يُشار إلى هذه الكائنات ، على نحو مبهم ، كالجراثيم ، والأكثرية من البكتيريا والفيروسات الموجودة لغرض واحد . ليس لجعلنا نمرض ؛ وإنما لتطوير حمضها النووي DNA . إن الأرض باعتبارها محيطاً حيوياً هي مساحة شاسعة يتطور فيها الحمض النووي الخاص بنا ليس إلا تجمّع مورثات واحد من بين الملايين منها . إن المناعة هي التي تجعل مورثاتنا متقدمة على الأخطار الصحية التي تهدد بقاءنا . وقد كانت ناجحة بتألق حتى الآن ، على الرغم من الأحداث الكارثية في تاريخ المرض ، والتي غمرت حمضنا النووي مثل أمواج " تسونامي " ، ليس مرض الجدري والإيدز في العصر الحديث ، سوى بعض الأمثلة الرهيبة . إلا أن نظام المناعة لدينا لم يواجه قط تهديداً بالمستوى الذي يواجه اليوم . فهذا النظام الدفاعي ضد الأمراض والمثقل بالأعباء يتدهور على نحو مطرد . يعود هذا إلى مجموعة من المشاكل تتعدى بالفعل الإحتمالات المخيفة لوباء جديد ، وهذا ينذر بخطر لا يمكن تجاوز العالم لنقطة التحوّل تلك . إلا أن المسألة العاجلة هي حماية نفسك من تطورها . صحيح أن المناعة الكلية هي مقياس الصحة الشاملة ؛ ولكن ماذا عن التفكير وتأثيره على الصحة ؟ ماذا عن السلوك والعادات ومساهمة الأسرة ؟ لماذا يجب أن تُعطى الجراثيم أهمية أكبر من الأسباب الشائعة للمرض . على سبيل المثال السرطان غير المرتبط غالباً بغزو كائنات حيّة دقيقة ؟ من أجل شمول كل شيء كان من الضروري إلغاء الحدود بين التفكير والجسد . كانت هناك دعوة للقيام بقفزة في الخيال . وبالتالي ، مؤلف هذا الكتاب ( د. ديباك شوبرا : طبيب وزميل في كلية الأطباء الأمريكيين ، وعالم مشهور عالمياً . د. رولف ابي تانزي ، حامل درجة دكتوراه وأستاذ في علم الأعصاب ) يقدمان مصطلحاً جديداً : الذات الشافية ، الذي يفي بالمعنى الحقيقي للكلية . منذ زمن طويل تمّ الإبقاء على الفصل بين دورين معنيين بالحفاظ على صحتنا كل يوم . الدور الأول هو : المعالج ، الدور الثاني : هو الإنسان الذي يتم علاجه . يقوم بهذين الدورين حالياً معالج/ة من الخارج ، والمريض الذي يُعتمد عليه أو عليها . ليس بالضرورة أن يكون المعالج الخارجي طبيباً ، فالكلمة المهمة هنا هي " الخارج " ، والتي تضع عبء الرعاية على أحدٍ ما بجانبك . هذا وإن ما يطمح المؤلفان التأكيد عليه هو أن الفصل التقليدي بين الأدوار ليس واقعياً عندما يتعلق الأمر بجسمك . أو تتمركز المناعة على الذات ليس من مهمة الطبيب تعزيز استجابتك المناعية من يوم لآخر ؛ ففي غالب الأحيان تصبح الرعاية الطبية فعّالة ، فقط ، عندما تظهر الأعراض . إلا أن الإستجابة المناعية تكون قد انهارت عندئذ ، وفي إطار الصورة العامة ، تكون الإستجابة العلاجية قد انهارت برمتها ، والتي تشكل المناعة محورها . على الدوام هناك تضارب بين ما يستطيع الطب فعله وبين ما يحتاجه الجسم إذا أراد أن يحمي نفسه في خضم المنافسة العالمية للحمض النووي . إن شراكة الطبيب والمريض ليست مصممة لتلبية احتياجات المنافسة والفوز : إلا أن الذات الشافية ، ومن خلال دمج المعالِج والمعالَج ؛ تستطيع التغلّب على التهديد الذي يلوح في الأفق " ملاحظة هامة : المؤلفان بالتأكيد لا ينصحانك بتجاهل أو تجنب الرعاية الطبية عندما تحتاجها " . وأما فوائد الذات الشافية فهي : 1- إنها غير تمزويّة ولا تقتضي الإعتماد على علاجات خارجية . 2- تحافظ على التوازن الطبيعي وتعزز نظام المناعة من خلال خيارات نمط الحياة . 3- يمكن لخيارات نمط الحياة أن تمنع العديد من أنواع السرطان ، وتبشر بالوقاية من مرض الزهايمر ، وحتى عكس أعراض الشيخوخة . 4- سوف تتضمن الشيخوخة الناجمة فترة صحية مديدة فضلاً عن عمر طويل . 5- يتم درء خطر الإعتماد على الأدوية ؛ لأن الشفاء يبدأ في الحدوث قبل أن تبدأ مرحلة الأعراض . يتم وصف الغالبية العظمى في الأدوية في وقت متأخر من مسيرة المرض ، وهي مرحلة لا يتعين عليك الوصول إليها من خلال ما يوضحه المؤلفان في هذا الكتاب . وينطبق استباقك المرض حتى على كل اضطراب في نمط الحياة ؛ بما ذلك أمراض السرطان والقلب ، وهي الإضطرابات التي تخلق الحاجة الأشد للعلاج بالأدوية . وأخيراً ، فهذه هي النتائج العملية لاعتماد الدور المزدوج : المعالِج والمعالَج ، من الشفاء الذاتي ، وما يجعل هذا كله ممكناً هو رفع درجة وعيك على الدوام ؛ إذ ليس بمقدورك تغيير ما لا تدركه . إن الأمر الأهم الذي لا يعيه معظم الناس : هو إمكانية الشفاء الذاتي بحدّ ذاتها . وسيكون بمقدور القارىء معرفة كيف ينطبق هذا حتى على المناعة . وبهذا يصل إلى معرفة تلك الخطة الثورية الجديدة لتعزيز مناعته وبقائه معافى مدى الحياة ، بواسطة ذات تكون على تواصل مع تفكير ، وصولاً إلى ذات شافية .