يوزع ماجد عبد الهادي نصوص كتابه هذا على سبعة أبواب، تشمل الوحشيات، والحكايات، والدا عشيات، والزعامات، والإضاءات، والجهالات، والخيانات، في مسعى بارع يحث القارئ على طراز من التواطؤ الانحيازي إلى ما تقود إليه الدلالات خلف كل باب، وإلى ما تنهى عنه أيضاً على أكثر من نحو، ذلك لأن مغزى الوحش قد يجاري أو حتى يتبارى مع مغزى الجهالة بين أفاع وقوارض وحشرات ضرورية لتحقيق التوازن البيئي، وأخرى لا تطلق إلا كي تفترس وتلدغ وتفرض شرعة الغاب، وليس البتة خافياً أن تناظرات عبد الهادي تحيل، من دون تمويه أو تعمية، إلى ساسة وحكام مستبدين بأسمائهم وكوارثهم، ضمن تمثيلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية لا لبس فيها. ولأنها نصوص تستسقيها تعددية واسعة فسيحة عريضة الانسراح والانفتاح، فإن عبد الهادي لا يتردد في تسخير اللغة العالية وتوظيف الشكل المركب، ولهذا لا يجد القارئ المتمرس مشقة في العثور، ضمن هذه النصوص، على صياغات شتى من الأنواع الكتابية، فثمة الريبورتاج الصحفي والخاطرة الأدبية والتأمل الفلسفي والمساجلة الفكرية ولا تغيب أيضاً نزعة السرد ومقاربة الأقصوصة، بل يصح استخلاص أكثر من مستوى واحد للتعبير الشعري وتوسل قصيدة النثر. 'الدم يستسقي الدم' يذكرنا عبد الهادي، تاركاً لنصوصه الأخاذة المشبعة بالحق والعدل والحرية والتقدم والجمال أن تستسقي انحيازاتنا أيضاً وأن تستحثها.