كان تاريخ المجتمعات الإسلامية، على امتداد أربعة عشر قرناً، مصوغاً بحدَّة عالية وفقَ قطبين متعارضين كانا يتحكَّمان بمدّ الحضارة الإسلامية وجزرها، وهما: الجهاد والفتنة. وكانت العبارة الأولى قد انطوت على دلالات إيجابية في الثقافة الإسلامية التقليدية. أما العبارة الثانية، أي «الفتنة»، فلها دلالة سلبية تماماً: فهي تعني العصيان والحرب في صميم الإسلام.
بيد أن المسألة تُطرح بحدَّة لافتة حين يخاض الجهاد في دار الإسلام لمقاتلة «العدو القريب»، وقد يوشك الجهاد أحياناً أن يقلب النظام الاجتماعي رأساً على عقب، فينفتح باب الفتنة على مصراعيه، وتحل الفوضى والخراب. وقد أوحت به الفتاوى ذات النبرة الخلاصية والداخلة في حساب الجهاد، فإنّما الجهاد المقدّس هو قتال «العدو القريب»، المتمثّل في الحكام الفاسدين في ديار الإسلام، وقد احتموا بالغرب الذي يسيطر على العالم.
إنَّ انفصاماً كهذا في وعي الإسلاميين للعالم هو ما يتحكّم بهؤلاء ويجعلهم يصعدون بهذا التوتر بحثاً عن الشهيد، وهم على يقين بضرورة إطلاقهم زلزالاً خلاصياً للأمة، بفضل «العملية الاستشهادية» التي يندفعون إلى تحقيقها، من دون أن يهتموا بمعرفة ما إذا كان العنف الذي أزهقوا به أرواح آخرين خلفهم قد يحدث بلبالَ الفتنة.
جيل كيبيل باحث سياسي فرنسي، مدير كرسي الأستاذية للشرق الأوسط والبحر المتوسط ومدير برنامج الدكتوراه المتخصص في العالم الإسلامي بمعهد الدراسات السياسية بباريس. مختص بشؤون الحركات الإسلامية.