ينتمي البروفيسور بول ديفز، مؤلف كتاب "الله والعقل واللون" ذا الشهرة العالمية بقدرته على شرح مدلول الأفكار الفيزيائية المتقدمة بلغة بسيطة إلى فئة العلماء الذين لا يأخذون بالدين التقليدي، ولكنهم ينكرون مع ذلك أن العالم وجد عرضاً ودون هدف محدد. فقد توصل من خلال عمله العلمي إلى اعتقاد كان يزداد شدة، وهو أن الكون الفيزيائي قد ركب بأصالة مدهشة لدرجة أنه لم يستطع التسليم بأنه مجرد حدث أعمى بلا إدراك كما ذهب إليه الملحدون. بل بدا له أن ثمة، ولا بد، مستوياً أعمق مما هو معروف في ميادين العلم والنظريات لتفسيره. وعلاوة على ذلك توصل البروفيسور ديفز، إلى وجهة نظر بأن العقل، يعني العالم بشعورنا، ليس بلا معنى أو هدف، ولا هو خاصة عارضة في الطبيعة، وإنما قطعاً مظهر أساسي للواقع وبالنسبة له إن هذا القول لا يعني أننا نحن البشر الغاية التي يوجد العالم لأجلها، فهذا مستبد، إلا أنه يعتقد بأننا نحن، الكائنات البشرية، قد أدخلنا ضمن نظام الأشياء بطريقة أساسية جداً.
وفي كتابه هذا يحاول أن يسوق دواعي معتقداته هذه، متفحصاً بعض نظريات اللاهوتيين والعلماء الآخرين ومعتقداتهم التي لا يلتقي معظمها مع معتقداته، مستفيداً من الكثير في دراساته من الإنجازات الجديدة التي هي في طليعة العلم، والتي أدى بعضها إلى أفكار هامة ومثيرة حول الإله والخلق وطبيعة الواقع. على أن هذا الكتاب لا يهدف لأن يكون رصداً شاملاً للوجه المشترك بين العلم والدين، بل هو بالأحرى محاولة شخصية لفهم الأمور، ولما كان الكتاب موجهاً لكل القراء، لذلك حاول المؤلف إبقاء الجوانب الفنية في حدها الأدنى، لأنه لا حاجة له بمعرفة مسبقة بالرياضيات أو بالفيزياء. أما بالنسبة لما أورده مضطراً من مسائل فلسفية، فهي تشكل مقاطع يمكن للقارئ تفهمها دون صعوبة.