الليبراليون العرب الجدد ليسوا حزباً سياسياً، ولا هم رابطة سياسية، وليس لهم نقابة، أو منتدى أو صحيفة أو نشرة. ولا يتولون مناصب سياسية في الدول، ولا يملكون سلطات عسكرية أو مدنية، وإنما هم شبه تيار تجمعهم أفكار عامة مشتركة يختلفون في تفاصليها. فمنهم من يرى أن ما حصل في العراق احتلال، ومنهم من يعتبره إحلالاً، أي قوة عسكرية أحلّت حكماً ديمقراطياً مكان حكم ديكتاتوري كما جرى في بلدان عربية أخرى في المستقبل. ومنهم من يعتقد أن الانتخابات في ظل الاحتلال غير شرعية، ومنهم من يعتبرها شرعية كالانتخابات التي جرت في اليابان وألمانيا وإيطاليا وكوريا وأفغانستان وفلسطين 2005. ومنهم من يرى أن لا إصلاح سياسياً إلا من الخارج، ومنهم من يرى أن القطيعة مع التراث هي الطريقة الأسرع للوصول إلى الحداثة، ومنهم من يرى أن لا طريق للحداثة إلا عبر التراث.. الخ.
إلا أن الليبراليين العرب الجدد تجمعهم رغم كل هذا قواسم مشتركة أهمها، أن حرية الفكر مطلقة، وحرية التدين مطلقة، وحرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل يجب أن تكون مكفولة تماماً. وأن التعددية السياسية والإصلاح الديني والإصلاح التعليمي والسياسي من أولويات المرحلة الحاضرة. وأن فصل الدين عن الدولة وإخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي وتطبيق الاستحقاقات من التقاليد النادرة في أدبيات السياسة العربية المعاصرة أن يكتب عن موضوع معين مثلاً كالوحدة والحرية والاشتراكية والديمقراطية والعلمانية.. الخ. ويؤتي بالخطابات لهذه المحاور والخطابات المضادة لها في الوقت نفسه.
فرغم دعوة المثقفين العرب -وخاصة السلفيين منهم والأصوليين الدينيين والقوميين على السواء- إلى الرأي والرأي الآخر، إلا أن حجب الرأي الآخر ظل هو الطريقة المتبعة في عرض وجهات النظر.
بل تمت مصادرة الرأي الآخر نهائياً والطعن فيه. وقد حاولنا في هذا الكتاب أن نأتي بأكبر عدد من المقالات المضادة لخطابنا والتي وجدنا فيها أقل نسبة والعصبية القلية والتفكير الغريزي، وأكبر نسبة من العلمية والمعقولية والعقلانية، بغض النظر من مخالفتها المباشرة والصريحة لخطابنا، وغرضنا من ذلك أن تتيح للقارئ والدارس في الحاضر والمستقبل أن يطلع على وجهتي نظر علميتين نظيفتين مختلفتين.
فلا تاريخ يقرأ بالأحادية فقط, ولا نصاً يقرأ بعين واحدة سواء كانت اليمين أو اليسار. ولا من كتاب يحتوي على صفحة واحدة متكررة. ولعل شجاعة الليبراليين الجدد وإيمانهم العميق بالديمقراطية والرأي والرأي الآخر، دفعهم إلى تضمين هذا الكتاب وجهات النظر الأخرى، وإن كانت قاسية عليهم. فقسوة الرأي الآخر هي التي تكسب الرأي الأول مزيداً من القوة والصدقية والشفافية وحسن التلقي