كان يوماً تاريخياً حاسماً من عمر العراق، ولم تخبل الشمس بأشعتها الساطعة على أسوار الموصل التي تحطمت عليها جماجم الأعداء، وعلى أرض المعركة التي شربها الدم، وصبغها الإحمرار... كان الموصليون جميعاً في حلبة الصراع الهائل قائمين، وقد شاركوا فيه بمختلف فئاتهم دون كلل او تعب أو أرق بعد أسبوعين كاملين من القصف المدفعي الشديد وآثاره الفتاكة، وكانت المعنويات عالية، وقتالهم ضروس وكانوا ينشدون أغاني الكلبند الصوفية التي تمتزج فيها التكبيرات الدينية والتهاليل القدسية...
كانت هذه الموسيقى وأنغامها تنبعث ضاجة تارة ورخيمة أخرى من جنبات المدينة وأسوارها، فتحيل الأعداء بالرغم من قوتهم وأعدادهم إلى ضعف وخور، أما ما يسمعونه، بمشاركة طبول الحرب وعزفها الذي تشاركه أصوات المنائر وأجراس الكنائس، واستمرت أغاني الكلبند والتهاليل تقضّ مضاجع الأعداء حتى طلب نادرشاه نفسه أن يتوقف عنها أصحاب وذلك قبيل رحيله، فأبوا ذلك، وقد سجلت في هذه المعركة جهود وبطولات عدت من المفاخر الحربية اللامعة في التاريخ.