بينما يسيطر عليّ هذا القول المتكرّر ﴿ما تدري نفسٌ بأيّ أرض تموت﴾، أتوهُ في لغز قطعة الأرض التي يُمكن أن يكون أبو سعد دُفن فيها. أين تقع؟ وهل تحمل شاهداً شامخاً كما يتمنّى جميع الناس، أم هو لم يحصل حتّى على ذلك؟ وما قيمة كلّ هذه الأمور أمام ردّ أبي سعد على آتيلا يومها حين خاطبه ممازحاً، بطريقة يملأها الودّ، تصاحبها ضحكةٌ رقيقة: «وهل يهمّ بأيّ أرضٍ نموت؟ نحن لم نترك ديارنا وأهلنا وحبيباتنا لكي نبحث عن قطعة الأرض التي نُدفنُ فيها... دع عنك كلّ حديث الآخرة هذا، وقل لي كيف تؤدّي صلاتك؟ هل هي على طريقة أبيك التركماني الشيعي أم على طريقة أمّك الكرديّة السنّية؟».
لم أرَ آتيلا مرتبكاً بهذا القدر من قبل. بعد شيء من التردّد، قال بارتباك يروم الحسم: «لا أعرف، فلم أرَ أبي يصلّي يوماً، ولم أُدقّق في صلاة أمّي وذلك لتيهي وانغماسي في الدنيا وملذّاتها. لكنّني الآن بعدما هداني الله وأعلنتُ توبتي أمام الشيخ فأنا والحمد لله مسلم أؤدي صلاتي على طريقة الإمام الشيخ كاكه حمه البرزنجي و...».
قاطعه أبو سعد بابتسامةٍ مشاكسة: «الإمام الشيخ كاكه حمه البرزنجي، أم... الإمامة الشيخة فاطمة البرزنجي؟».
وغرقنا نحن الثلاثة في ضحكة جميلة تتفجّر فرحاً وصدقاً يتجاوز كلّ الخطوط الحمر الإيديولوجية المرسومة بالدم والبارود.