"في دمشق، عندما كان في الخامسة والأربعين من عمره، لقي شاباً تتحلق حوله مجموعة من الأصدقاء المبتهجين، انحنى أمامه وقبّل يده وقال: "يا صرّاف عالم المعاني، أدركنا"...
نعم، لقد التقى بأبرز طلاب العلم في المدينة، إنه الرومي الشاب، كما سأطلق عليه من الآن فصاعداً، الذي قدم إلى دمشق لدراسة علوم الدين والشريعة، بعيداً عن مشاركة غبطة الغريب الذي طلب منه أن يمسك بيده، سحب الرومي يده التي تبللت بلعاب قبلات هذا المتضرع الندية، وانحنى ليساعد الرجل الجاثي أمامه على النهوض على قدميه.
لم يكد ينهض حتى ابتعد بسرعة، تاركاً الرومي الشاب في حالة ذهول، بعدم مبالاة شاب في عمره، لم يعلّق الرومي أي أهمية على هذا اللقاء الغريب، أما الشخص الآخر، فقد فهم أن هذا الطالب المنهمك في إلتهام الكتب، لم ينضج بعد وأن عليه أن يعود مرة أخرى؛ وأعني بالشخص الآخر، شمس التبريزي، "الظائر".
لا لم يكن الرومي قد نضج بعد، وسيستغرق الأمر خمس عشرة سنة أخرى، وذات يوم خريفي، بينما كان يهمّ بمغادرة مدرسة سوق القطن، التقى مرة أخرى، وبمحض الصدفة، بشمس الذي كان خارجاً من خان تجّار السكر، هذا اللقاء الذي قلب حياته رأساً على عقب... يصعب عليّ تدوين الكلمات على الورق لأصف ببساطة أستاذي، الرومي، الرجل الذي دخل حياتي ولم أكد ابلغ العشرين من العمر، ولم يغادرها قط.
الرجل الذي جعل شِعْرَهُ تعبيراً خالصاً عن العشق والمحبة، الطريق المباشر إلى الله، لكن هذه هي مهمتي... الواجب الذي يتعين عليّ أن أؤديه في نهاية حياتي، وإن لم أفعل ذلك أنا، فمن سيفعله؟.