للحضارة وتاريخها دور، ليس في إستقراء الماضي وسبر أغواره، ومعرفة أسراره فحسب، وإنما في قراءة الحاضر بعين متبصرة وإستجلاء المستقبل بوعي منفتح مستند إلى حقائق التاريخ ومنجزات بني جلدتنا من البشر عبر تاريخ وجودهم الطويل على سطح المعمورة.
لكن ذلك قد لا يكون بطريقة هندسية مقياسية ووفق حسابات الجمع والطرح، بل؛ وهو الأكثر دقة في سياقات الحضارة والرقي والتقدم، من خلال إستيعاب دروس التاريخ وفهم الظروف التي رافقت كل عملية إنجازية حققها الإنسان عبر تاريخه وكان لها في ذات الوقت تأثير وبصمة واضحة وإنعطافية في مسار البشرية كلها.
لذا، فإن القراءة - إذا صح التعبير - لمفردات تاريخ التطور الحضاري للإنسان هي الطريق الأمثل للوصول إلى هذا الفهم وإلى هذه الروحية التي تجعل الإنتقال بين أسطر وكلمات قصة الحضارة البشرية مفتاحاً لرؤية المستقبل تنجلي حدود إمكاناته كلما توغلنا في عمق حضارة البشر وهذا هو بالتحديد ما يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه.