ولكنّ الثورات الكبرى كالزلازل العظيمة، لا تنتهي إحداها بالزلزلة الكبرى حتّى تلحق بها موجات من الهزّات يتلو بعضها بعضاً، إلى أن تستقرّ الأرض بحملها المنظور وباطنها المستور، وتكتمل رواية المصائر الّتي اتّصلت فيها بسبب، ومنها مصائر أصحابها ومصائر أعدائها سواء، وقد يلقى بعض أصحابها من المصير المظلم مثل ما أنزلوا بأعدائهم، وقد يلقى بعض أعدائها من المصير المجيد مثل ما يلقى المنتصر، ولو بعد حين، وبعد كفاح طويل مرير، في بلد ناء آخر من أرض الله، وقد ينتهي بعض الصائدين إلى أن يصيروا صيداً، وبعض الطاردين مطرودين، وفي المقابل قد تنتهي الفريسة المطرودة أن تصير صائداً مفترساً، ويصير الخائف مخيفاً، وقد يأتي زمان تستوي فيه الضحيّة والجلاد، حين تجد الضحيّة نفسها في حال تعيد معها سيرة جلّادها في خصومها المستجدين بعد أن تتمكن، ثمّ تتذرّع بالأسباب نفسها التي تذرّع بها جلّادوها من قبل؛ وعندئذ لا يفترق الخصوم إلا بقدر ما يتشابهون، وقد لا يجد أحدهما إلا أن يعذر الآخر، أو حتّى يعظّمه.