يكاد يكون حدثًا غير مسبوق أن يعمدَ ملكٌ إلى كتابةِ مذكِّراتِه، متصديًا، مباشِرة، لما يواجهُه من مسائلَ حساسّةٍ ودقيقة في منطقة الشرق الأوسط. هذا ما قرّر القيامَ به جلالةُ الملك عبد الله الثاني ابنُ الحسين، إدراكا منه لما تنطوي عليه المرحلةُ من حاجةٍ ملحّةٍ إلى التحرك في الاتجاه الصحيح على طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويقينًا منه أن فُسحةَ تحقيقِ السلام العربي-الإسرائيلي تَضيقُ بوتيرةٍ متسارعة حتى تكاد تنحسرُ تمامًا. منذ ما يزيد على عقد يُديرُ دفةَ الحكم في الأردن، البلد المركزيّ في كل ما يُطرح أو يدور من نقاشاتٍ حولَ الصراع العربي-الإسرائيلي، والعراق، وإيران، ومستقبلِ العلاقات بين أميركا والعالم الإسلاميّ. يقوم الملك عبدالله الثاني بدور محوري في كل هذه المسائل. لكنَّ نشأتَه وتربيتَه قد جاءتا خاليتين تمامًا مما قد يُشير إلى أن هذا الدور، من موقع رأس الدولة بالذات، كان بانتظاره.
في هذا الكتاب، يتطرق الملك عبدالله الثاني إلى رؤيته الإصلاحية التي انطلقت منذ تحمله مسؤولياته الدستورية ملكاً للأردن، من الاقتناع بأن الإصلاح الشامل ضرورة حتمية تفرضها مصالح شعبه وبلده. وهو إذ يشير إلى أن المسيرة الإصلاحية التحديثية التطويريةتعثرت وتباطأت نتيجة مقاومة القوى المتمسكة بالراهن حرصاً على مصالحها أو خوفاً من التغيير، يستعرض الخطوات التي اتخذها الأردن، من أجل المضيّ قدماً في مسيرة إصلاح تحديثية برامجية، تحيّد القوى التي ترفض أن ترى إلى متطلبات العصر وشروط تجاوز تحدياته، نحو مستقبل يضمن الأمن والاستقرار ويمكن مواطنيه أدوات النجاح والإنجاز.
ويؤكد الملك عبدالله الثاني أن منطقة الشرق الأوسط لن تنعم بالأمن والاستقرار ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في الحرية والدولة المستقلة في إطار حل إقليمي شامل. لكن فرصة تحقيق السلام تضيق أمام التعنت الإسرائيلي، ما يضع المنطقة على طريق المزيد من الحروب والصراعات التي ستكون أكثر كارثية من كل الحروب التي سبقتها. وعلى إسرائيل أن تختار بين أن تظل قلعة معزولة في منطقة تعصف بها الصراعات، وبين السلام الذي يضمن الأمن الاستقرار لجميع دول الشرق الأوسط.
وُلد الملك عبد الله الثاني في عمّان، وهو أحد أفراد السلالة الهاشمية الحاكمة التي تحكم الأردن منذ 1921. يُعدّ الملك عبد الله الثاني شخصية مشهورة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية في إدارته للبلاد والحفاظ على استقرارها، كما يعرف بدوره في الترويج لحوار الأديان بهدف التعايش الديني بين أتباع الديانات. عدّه المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية الشخصية المسلمة الأكثر تأثيرا في العالم لعام 2016.