من حيث ينتهي المُتاح، يبدأ الإبداع، والأنفس الحرّة وإن غدت جثثاً، قادرةٌ على الطيران.
درسان عميقان من رواية لم تكلّف نفسها عناء الوعظ والإرشاد، فكلّ ما فعله الكاتب أن أصرّ على الحياة، ولمثل تلك المهمّة يكفي أنف ورئة للتنفّس، وبعلوم لتلقّي الغذاء، ورمش عين يُسرى لباقي الادوار!...
نعم برمش العين ذاك أبقى جون دومينيك بوبي على صِلته بالعالم كاملةً مُبتكراً طريقةً في التواصل هي الترجمة الحيّة لكلمة "إرادة"، تُلفظ أمامه الأبجديّة تباعاً فيرمش للحرف المناسب، لتتشكّل الأحرف كلمات، وتبرعم الكلمات جملاً وفقرات، فهل بعد هذه الحياكة من حياكة؟...
أمّا مضمون السرد فذهاب وإياب بين أمسٍ قادرٍ وحاضرٍ كسيحٍ، وبين خارجٍ يُرى، وداخلٍ يَرَى، والرواية ككلّ الأعمال الكُبرى نبش في أسئلة الماهية وثنائيّة الجوهر والعَرَض، حتى وإن توسّلت بالفكاهة القاتمة بل لعلّها ما أفلحت إلاّ لذلك، أوَليست روح الكاتب الخُلّبُ هي المعادل الموضوعي للفكاهةِ وخفّتِها الأشبه بالفراشة، وَجسدُه المأزق هو بذلة غوصه الضاغطة والقتامة لونُها واقعاً ومجازاً؟...