سيكون من السهل إستيعاب هذا الكتاب إن كان لدى القارئ إستعدادًا على تقبُّل فكرة -تبدو في غاية المنطقية والعقلانية إلا أنّ نتائجها- تتقاطع تمامًا مع إرث تأريخيّ طويل وتثقيل، يعمل على غلق مسامات التنفس في عالم مختلف. أي أن ما نعرفه لا يعني كل المعرفة، وما نؤسس عليه قد لا يكون صلدًا مثلما نتوقّع، بل لعلّه الفراغ بذاته، وليس غريبًا أن تنهض أمّة بأكلملها على فراغ.
(لاتطلب من الآلهة مالاتستطيع القيام به بنفسك ) فيثاغورس
يقدم جمال الحلاق لكتابه“آلهة في مطبخ التاريخ”(منشورات الجمل)بالقول“ان ما نعرفه لا يعني كل المعرفة، وما نؤسس عليه قد لا يكون صلدا مثلما نتوقع، بل لعله الفراغ بذاته، وليس غريبا ان تنهض امة بأكملها على فراغ”. ينطلق من نظرية داروين في منهج النشوء والارتقاء ليكشف عن آلية التغيير التدريجي للكائنات، ومن ضمنها اللغات والافكار التي يراها كائنات حية، لها بدايات وتسير في دور التشكل على غرار الكون وتعبّر عن وعي الانسان وقدرته على فهم مسار التحولات التاريخية.
البحث عن إله همٌّ انساني بدأ مذ وقف اول انسان امام سعة الارض والسماء ومجهوليتهما، ولا يزال الهم انسانيا حتى بعدما بدأ يرسم شكل الكون، ويحدد سعته، ويقترب من الغوامض التي تسكن فيه، التي تهدده بالانقراض من الثقوب السوداء، او سرعة اتساع الكون، وفقدان الحرارة المستمر، بل ان المعرفة تحاول دائما ان تعطي صورة للاله تتوافق مع درجة اتساعها، او انكماشها”.
انطلاقا من ذلك يتطرق الكاتب الى الدين او ما يسميه البحث عن إله، بصفته يشكل التجربة الوجودية الانسانية التي من خلالها يعتبر الانسان بوابة الميتافيزيقيا. هذا البعد لا يقتصر على الاعتقاد بالاديان القديمة، كما لا ينحسر ضمن دوائرها، بل يكاد يشمل كل المدارس المثالية.
عند البحث في الدين، من الضروري مناقشته من موقع المعرفة البحثية، بحيث يتحرر من المسلمات الايمانية عند ادخاله الى المختبر واخضاعه الى مقاييس البحث العلمي، فالقيّمون على المؤسسات الدينية يرفضون وضعها على مشرحة العقل والعلم خوفا من زعزعة ايمان المؤمنين بزيف الكثير من الوقائع والحقائق المسلّم بها كتعاليم الهية لا يجوز تعديلها او المس بجوهرها الالهي.صحيح ان كل انسان يحوي في عقله فكرة عامة عن الاله وهو المشترك بين المؤمنين، لكن كل فرد يمتلك تصوره عن إلهه الخاص، الذي قد يكون مشابها لإله العموم، من دون ان يتطابق معه.