الجاحظ هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، كان له جد أسود يقال له فزارة عمل جمالاً لعمرو بن قلع الكناني. لقب بالجاحظ لبروز عينيه، وعرف بالحدقي، وكني بأبي عثمان. ولد بالبصرة، وطلب العلم لدلى الكتاب وخالط المسجديين فأفاد منهم، كما كان يكتري دكاكين الوراقين ويبين فيها للمطالعة.
بدأ الجاحظ ينسب مؤلفاته إلى مشاهر الكتاب من أمثال ابن المقفع، ثم لمع اسمه ووصلت شهرته إلى الخليفة المأمون. فاستقدمه وسلّمه ديوان الرسائل، ولكن الجاحظ استعفى بعد ثلاثة أيام من منصبه.
في عهد المعتصم اتصل الجاحظ بوزيره ابن الزيات وقدّم له كتاب "الحيوان"، فنال منه أموالاً ساعدته على القيام برحلة إلى إنطاكية ودمشق ومصر فازداد علماً وخبرة. ثم استخلف المتوكل ففتك بابن الزيات وجعل مكانه القاضي أحمد بن أبي دؤاد. ولما كان الجاحظ اعتزالي الميل خاف من تنكر المتوكل لأصحاب الاعتزال، فهرب واختفى. لكن رجال القاضي كشفوه وجاءوا به مغلول العنق مقيد الرجلين.
ثم قدّم الجاحظ إلى بان أبي دؤاد كتاب "البيان والتبيين" ونال عليه خمسة آلاف دينار. وبعد ابن أبي دؤاد اتصل الجاحظ بالفتح ابن خاقان الذي خلف القاضي، ومال حظوة عنده.
عمر الجاحظ طويلاً، وفي أواخر حياته أصيب بالفالج والنقرس، فانتقل إلى البصرة. ولم يقعده المرض عن العمل، فظل يقرأ ويكتب حتى موته في سنة 255هـ/868م. قيل إن كتبه سقطت عليه فقتلته، فكان ضحية أعز أصدقائه.
ترك الجاحظ مؤلفات كثيرة، ويكفي أن نقرأ مقدمة "الحيوان" لنتعرف إلى ما يربو على مئة كتاب ورسالة، تعالج قضايا الأدب والدين والفلسفة والاجتماع والعلوم، وأشهرها "الحيوان" و"البيان والتبين" و"البخلاء".
حفظ عدد الجاحظ في مقدمة "كتاب الحيوان" أسماء المؤلفات التي سبقت. ونعلم أن "الحيوان" لم يكن مؤلفه الأخير، إذ إنه استمر يعمل حتى آخر لحظة من حياته. وظهرت له بعد ذلك كتب مشهورة منها "البيان والتبيين" و"البخلاء" وكتاب "فضائل الترك".
ويبدو واضحاً لدى مطالعة كتاب "القول في البغال"، أن الأسلوب جاحظي لفظاً ومعنى. فهو يلجأ إلى سرد الأخبار وتدوين الأشعار، واستقصاء الغريب، ونقد ما يبدو غير منطقي، والشك في بعض ما تتفق على صحته العامة. وهذه كلها خصائص لا نقع عليها عند غيره من كتاب العصر.
من جهة أخرى يقول الجاحظ في مطلع كتابه في البغال: " كان وجه التدبير في جملة القول في البغال أن يكون مضموماً إلى جملة القول في الحافر كله، فيصير الجميع مصحفاً واحداً، كسائر مصاحف "كتاب الحيوان"، وقد منع من ذلك ما حدث من الهم الشاغل، وعرض من الزمانة، ومن تخاذل الأعضاء، وفساد الأخلاط، وما خالط اللسان من سوء التبيان والعجز عن الإفصاح". ففي قوله هذا تحديد للمرحلة الزمنية التي وضع فيها كتابه، أي بعد كتاب الحيوان، وفي أواخر عمره عندما كان مصاباً بزمانة جعلته متخاذل الأعضاء عاجزاً عن الإفصاح. كما يشير قوله إلى أنه رغب في إضافة عمله هذا إلى ما عالجه في كتاب الحيوان.