عاد إلى بؤرة قديمة كان هجرها مذ عرف منى زهران. ذهب إلى ملهى "مركب الشمس" بالهرم وهو نصف ثمل. وأنزوى فى الحديقة رغم برودة الجو وطلب من النادل أن يدعو سميرة لمشاربته. وسميرة كانت صديقته، وهى راقصة من الدرجة الرابعة ترقص ضمن مجموعة فى خلفية المسرح عندما يغنى مطرب بالمهى. وهى فى الخامسة والثلاثين، وبها مسحة جمال، وجسمها أجمل من وجهها، ورخيصة الثمن نسبيا، وقد دهشت لعودته عقب غياب استمر أكثر من نصف عام، فتظاهرت بغضب لا أساس له، وقالت له:
رجعت يا خائن
وراحا يشربان. ولاحظت أنه- بخلاف عادته- يشرب بإفراط وكانت ترتاح إليه، لأنه مهذب، ولأنه يملك سيارة صغيرة، وأخيراً لأنه كريم. وقالت له ضاحكة:
- أنت تشرب كالوحش.
فقال لها:
- سانتظرك آخر الليل.
ومع أنها رحبت بذلك فى أعماقها إلا أنها قالت متسائلة مع رغبة فى تأديبه:
كلا..
وتبادلا نظرة طويلة، ثم قالت:
- مرتبطة الليلة..
فهتف بضجر:
كلا..
- كلا !
- كيف حال بنتك الصغيرة؟
- مع أمى كما تعلم.
- فأفرغ كأسه وقال :
- عندى فكرة لا بأس بها..
- فكرة؟!
فتريث قليلاً لأنه شعر رغم سكره بأنه مقدم على أخطر خطوة يتخذها فى حياته. وغضب لتريثه فقال:
- أرغب يا سميرة فى أن نعيش معا!
- فتفكرت قليلا ثم تمتمت:
-فيها قولان!
- ولكنك لم تدركى مقصدى!
- أعتقد أنه واضح.
فقال وهو يركز عينيه فى كأسه:
- أريد أن إتزوج منك!
فطالعته بإنكار، ثم قالت بحدة:
- أنت سكران!
- بل رجعت إليك لتحقيق ذلك.
فجعلت تنظر إليه فى ريبة فقال:
- ما قولك؟
- أفق!
-الليلة إن أمكن!
ثم وهو يتناول يدها:
- ستبقى الصغيرة عند والدتك، ولكنى سأرتب لها مصروفا معقولا، لست غنيا ولست فقيرا..
فتساءلت بدهشة:
- أنت جاد حقا؟!
هيا بنا فى الحال إن شئت..
فضحكت وسألته:
- ماذا جعلت تقرر ذلك؟
- أريد أن أستقر، أستقر مع امرأه معقولة بلا خداع، فهل أنت على استعداد لنسيان الماضى وبدء حياة جديدة؟
فضحكن ضحكة عصيبة وقالت:
- لا يوجد مأذون مستيقظا فى هذه الساعة.
فقام وهو يقول:
- لا أهمية لذلك مادام سيستيقظ فى الصباح الباكر.